2015/06/23

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سيّدي الكريم

ورد أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر بإحدى عشرة ركعة. هل المقصود هو 8 ركعات قيام الليل + 3 ركعات وتر؟ أم أنّها من غير صلاة الليل، أي أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يصلّي ما شاء الله له أنْ يصلّي ثمّ يختم بإحدى عشرة ركعة؟

جزاكم الله خيرا والسلام عليكم.

 

الاسم: عبد الله

 

الرد:-

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.

شكرا جزيلا على تواصلكم الطيب مع هذا الموقع المبارك، وبعد:-

إنّ الأحاديث الشريفة التي وردت في صلاة الوتر كثيرة ومختلفة، وعلى وفقها كان التعدد في آراء أصحاب المذاهب الفقهية رضي الله تعالى عنهم وعنكم.

فتصحّ صلاة الوتر بركعة واحدة، أو بثلاث، بتشهّد واحد، أو بتشهّدين، كما يُمكن الوتر بخمس أو بتسع أو بإحدى عشرة ركعة، أو بأكثر مِنْ ذلك كما ثبت كلّ ذلك في السُنّة المُشرّفة.

وأرجو مراجعة جواب السؤالين المرقمين (1758، 1911) في هذا الموقع الأغرّ.

هذا التعدّد والتنوع رحمة اقتضتها طبيعة هذا الدّين الحنيف ومنهج خطه النبيّ الشريف صلّى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلّم تسليمًا كثيرًا لا يحصره حدٌ ولا كيف، وهذا التوسّع تابعٌ لتعدّد أحواله وتقدّم عُمره الشريف عليه الصلاة والسلام وآله وصحبه الكرام.

وإذا علمنا أنّ صلاة الوتر مِنَ التهجّد أو مِنْ قيام الليل زال الإشكال؛ فلقد قال العلماء رضي الله تعالى عنهم وعنكم:-

(إنّ الوِتْرَ يُسَمَّى تَهُجُّدًا) روضة الطالبين وعمدة المفتين (1/121).

وعليه فلا تعارض بين نيّة قيام الليل ونيّة الوتر، أو بين نيّة التهجّد ونيّة الوتر، فإنّ الوتر مِنْ قيام الليل بلا شك، وإنّما حصل الخلاف في مسمّى الوتر هل هو الركعة الواحدة التي تكون في آخر صلاة المرء، أو هو مجموع ما يصليه مِنْ أشفاع مختومة بهذه الركعة؛ وبناء على معرفة هذا الخلاف يظهر ما ينبغي على المُصلي أنْ ينويه بالركعات التي يتطوع بها قبل الوتر، هل ينوي بها الوتر أو ينوي بها التطوّع المطلق أو ينوي غير ذلك، ولقد أبدع الشيخ ابن القيم رحمه الله تعالى في عرض مسألة الخلاف الوارد في الأحاديث الشريفة في هذا الباب فقال:-

([الْوِتْرُ مَعَ الِاتِّصَالِ] الْمِثَالُ الثَّالِثُ وَالسَّبْعُونَ: رَدُّ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ الْمُحْكَمَةِ فِي الْوِتْرِ بِخَمْسٍ مُتَّصِلَةٍ وَسَبْعٍ مُتَّصِلَةٍ كَحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ: {كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوتِرُ بِسَبْعٍ وَبِخَمْسٍ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِسَلَامٍ وَلَا كَلَامٍ} رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَكَقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: {كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُوتِرُ مِنْ ذَلِكَ بِخَمْسٍ، لَا يَجْلِسُ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَكَحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ تِسْعَ رَكَعَاتٍ، لَا يَجْلِسُ فِيهَا إلَّا فِي الثَّامِنَةِ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ ثُمَّ يَنْهَضُ، وَلَا يُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي التَّاسِعَةَ، ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعنَاهُ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَمَا يُسَلِّمُ وَهُوَ قَاعِدٌ، فَتِلْكَ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً ، فَلَمَّا أَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخَذَهُ اللَّحْمُ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ، وَصَنَعَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِثْلَ صُنْعِهِ فِي الْأُولَى} وَفِي لَفْظٍ عَنْهَا: {فَلَمَّا أَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخَذَهُ اللَّحْمُ أَوْتَرَ بِسَبْعِ رَكَعَاتٍ لَمْ يَجْلِسْ إلَّا فِي السَّادِسَةِ وَالسَّابِعَةِ، لَمْ يُسَلِّمْ إلَّا فِي السَّابِعَةِ} وَفِي لَفْظٍ: {صَلَّى سَبْعَ رَكَعَاتٍ لَا يَقْعُدُ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ} وَكُلُّهَا أَحَادِيثُ صِحَاحٌ صَرِيحَةٌ لَا مُعَارِضَ لَهَا؛ فَرُدَّتْ هَذِهِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى} وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَلَكِنَّ الَّذِي قَالَهُ هُوَ الَّذِي أَوْتَرَ بِالتِّسْعِ وَالسَّبْعِ وَالْخَمْسِ، وَسُنَنُهُ كُلُّهَا حَقٌّ يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا؛ فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَابَ السَّائِلَ لَهُ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ بِأَنَّهَا مَثْنَى مَثْنَى، وَلَمْ يَسْأَلْهُ عَنْ الْوِتْرِ، وَأَمَّا السَّبْعُ وَالْخَمْسُ وَالتِّسْعُ وَالْوَاحِدَةُ فَهِيَ صَلَاةُ الْوِتْرِ، وَالْوِتْرُ اسْمٌ لِلْوَاحِدَةِ الْمُنْفَصِلَةِ مِمَّا قَبْلَهَا، وَلِلْخَمْسِ وَالسَّبْعِ وَالتِّسْعِ الْمُتَّصِلَةِ، كَالْمَغْرِبِ اسْمٌ لِلثَّلَاثِ الْمُتَّصِلَةِ ، فَإِنْ انْفَصَلَتْ الْخَمْسُ وَالسَّبْعُ وَالتِّسْعُ بِسَلَامَيْنِ كَالْإِحْدَى عَشْرَةَ كَانَ الْوِتْرُ اسْمًا لِلرَّكْعَةِ الْمَفْصُولَةِ وَحْدَهَا، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ أَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ تُوتِرُ لَهُ مَا صَلَّى}، فَاتَّفَقَ فِعْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلُهُ، وَصَدَّقَ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَكَذَلِكَ يَكُونُ لَيْسَ إلَّا —) إعلام الموقعين عن ربّ العالمين (3/147 – 148).

ويتبيّن ممّا تقدّم أنّ صلاة الوتر تعددت حالاتها وكثرت صورها وكلّها حقّ، وهذا دليل على التنوّع الذي يجسّد رحمة هذا الدين والحمد لله ربّ العالمين.

والله تبارك في علاه أحكم وأعلم.

وصلّى الله جلّ جلاله وعمّ نواله على النبيّ الأمين وآله وصحبه الغُرّ الميامين، وسلّم تسليما كثيرا ما هاج في قلوب المُحبين إلى طيبة شوقٌ أو حنين.