23/04/2019
السؤال:
السلام عليكم سيدي ورحمة الله تعالى وبركاته، وأدامكم الله تعالى على جهودكم لخدمة دينه وسنّة نبيّه عليه الصلاة والسلام.
سؤالي هو: لفت انتباهي أنّ الخطباء والوعّاظ عند بداية المحاضرة يجهرون بالبسملة، وفي بداية الخطبة لا يفعلون ذلك هل في ذلك حكم فقهي؟ وجزاكم الله تعالى كلّ خير.
الاسم: نبيل إبراهيم
 
الرد:
وعليكم السلام ورحمه الله تعالى وبركاته.
وأسأل الله تعالى أنْ يحفظ كلّ القائمين على خدمة دينه والمتبعين لسنّة نبيه عليه الصلاة والسلام وآله وصحبه الكرام.
قال العليم العلّام جلّت ذاته:
{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [سورة العلق:1].
وقال سبحانه:
{وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَيهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [سورة سيّدنا هود عليه السلام:41].
وقال إمام الذاكرين عليه الصلاة والتسليم وآله وصحبه أجمعين:
(كُلُّ كَلَامٍ أَوْ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُفْتَحُ بِذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ أَبْتَرُ) الإمام أحمد عليه رحمة ربّنا الصمد.
وقال قدوة المبسملين عليه الصلاة والسلام وعلى صحبه الكرام:
(كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيْهِ بِبِسْمِ اللهِ فَهُوَ أَبْتَرُ) الإمام أبو داود رحمه الله المعبود.
وقال سيّد الحامدين صَلَّى اللَّهُ تعالى عَلَيْهِ وآله وصحبه وَسَلَّمَ أفضل الصلاة والتسليم:
(كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لاَ يُبْدَأُ فِيْهِ بِالحَمْدِ للَّهِ تَعَالَى فَهُوَ أَقْطَعُ) الإمام أبو داود رحمه خالق الوجود تعالى شأنه.
وطريق الجمع بين الأحاديث هو ما قاله الإمام السبكي أفاض الله جلّ وعلا على روحه الرحمة والرضوان:
(وأمّا الحمد والبسملة فجائز أنْ يعني بهما ما هو الأعمّ منهما وهو ذكر الله والثناء عليه على الجملة، إمّا بصيغة الحمد أو غيرها، ويدلّ على ذلك رواية (ذكر الله)، وحينئذ فالحمد والذكر والبسملة سواء، وجائز أنْ يعني خصوص الحمد وخصوص البسملة، وحينئذ فرواية الذكر أعمّ فيقضى لها على الروايتين الأخيرتين؛ لأنّ المُطْلَق إذا قُيِّد بقيدين متنافيين لم يحمل على واحدٍ منهما ويرجع إلى أصل الإطلاق، وإنّما قلنا إنّ خصوص الحمد والبسملة متنافيان؛ لأنّ البداءة إنّما تكون بواحد، ولو وقع الابتداء بالحمد لمَا وقع بالبسملة وعكسه، ويدلّ على أنّ المراد الذكر – فتكون روايته هي المعتبرة – أنّ غالب الأعمال الشرعية غير مفتتحة بالحمد كالصلاة؛ فإنّها مفتتحة بالتكبير، والحج وغير ذلك) طبقات الشافعية 1/18.
وبهذا تبيّن لنا أنّ المقصود هو الافتتاح في الأمور المهمّة بذكر الله تعالى مطلقا سواء كان بالبسملة أو التسبيح أو التكبير أو بأيِّ ذكر.
فللبسملة فضلها؛ إذ افتتح الله سبحانه كتابه بها، وافتتح سيّدنا سليمان عليه الصلاة والسلام كتابه إلى ملكة سبأ بالبسملة، قال الحق جلّ جلاله:
{إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [سورة النمل: 30].
وافتتح حضرة النّبي الأكرم صلّى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلّم كتبه إلى الملوك بعد صلح الحديبية بالبسملة، قال الإمام القرطبي رحمه الله جلّ وعلا: (اتَّفَقُوا عَلَى كَتْبِ “بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ” فِي أَوَّلِ الْكُتُبِ وَالرَّسَائِلِ) تفسير القرطبي (13/193).
لكن كان صلّى الله تعالى وسلّم عليه وآله ومّن والاه يفتتح خطبه بحمد الله جلّ وعلا والثناء عليه سبحانه، قَال سيّدنا جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ:
(كَانَتْ خُطْبَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَحْمَدُ اللَّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ) الإمام مُسْلِمٌ رحمه ربنا المنعم.
وهذا تخصيص للعموم بفعله صلّى الله تعالى وسلّم عليه وآله وصحبه ومَن اهتدى بهديه، فالسنّة افتتاح خطبة الجمعة بالتحميد لله جلّ في علاه كما قال العلماء رضي الله سبحانه عنهم وعنكم؛ إذ لم تأت رواية عنه صلوات ربي وسلامه عليه وآله وصحبه أنّه افتتح الخطبة بغير التحميد.
وختاماً: الأصل الافتتاح بذكر الله عزّ وجلّ بأيِّ صيغة، والأفضل افتتاح الخطب والدروس والمحاضرات والكلمات بالحمد وليس بالبسملة، وافتتاح الكتب والرسائل والمؤلفات بالبسملة، والكلّ جائز، والأمر واسع.
وصلِّ اللهم على خير مَنْ ذكر الله تعالى وبسْمَلَ وحمَد، سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه ذوي الشرف والسؤدد، ما ناح طير وغرّد.
والله سبحانه أعلم.