30/11/2018

نص السؤال:

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين

اللهمّ صلِّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد صلاةً تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات، وتقضي لنا بها جميع الحاجات، وتطهّرنا بها من جميع السيئات، وترفعنا بها عندك إلى أعلى الدرجات، وتبلّغنا بها أقصى الغايات، من جميع الخيرات في الحياة وبعد الممات…

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اللهم أسألك بالإسلام الذي أمرتنا على لسان أنبيائك أنْ نعبدك به واصطفيت له خلاصة عبادك سيّدنا محمد عليه الصلاة والسلام وخاتم أنبيائك وأشرف خلقك وأتقاهم لك أنْ تسهّل إلى حضرة الشيخ سعد الله مهمة نهضة الأمّة وإعلاء كلمتك.

اللهمّ أسألك بالقرآن الذي حفظته لنا وأنزلته على نبيك…

سؤالي:-

يقول حضرة الشيخ عبد الله بن حضرة الشيخ مصطفى بن حضرة الشيخ أبي بكر طيّب الله ذكرهم وثراهم وجعل الفردوس الأعلى مثواهم، في كتاب معالم الطريق في عمل الروح الإسلامي:-

الفصل الرابع عشر:-

إذا أراد الإنسان التشرّف بالعمل الروحي، والتشوّف إلى نُعمى الحياة الخالدة، فالطريق إلى هذا مفتوح له في الإسلام كلّ الانفتاح…….

السؤال هنا عن كلمة (التشوّف) هل تعني النظر والمشاهدة أم الإحساس أم هناك معنى لم يصل له فهمي القاصر.

سامحني سيّدي على هذا السؤال

أرجو منكم الدعاء فقد عظم الداء وعزّ الدواء وبالله الرجاء.

اِلهِي لَسْتُ لِلْفِرْدَوْسِ اَهلاً *** وَلاَ اَقْوَي عَلَى نَّارِ الْجَحِيْمِ

فَهَبْ لِي تَوْبَةً وَاغْفِرْ ذُنُوْبِي *** فَاِنَّكَ غَافِرُ الذَنْبِ الْعَظِيْمِ

وَعَامِّلْنِي مُعامَلةً الْكَرِيْمِ *** وَثَبِّتْنِي عَلَى النَّهْج الْقَوِيْمِ

 

الاسم: فوزي عبيد جاسم

 

 

الرد:-

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.

شكرا جزيلا على تعلّقك المبارك بهذا الموقع الطيّب، ودعواتك الكريمة، وأسأله جلّ في علاه أنْ يوفقك لكلّ خَيْر، ويدفع عنك كلّ ضَيْر، إنّه سبحانه قريب مجيب.

الجواب باختصار:ـ

معنى التَّشَوُّفُ لغة: التَّطَلُّعُ والاِشْتِيَاقُ.

التفصيل:ـ

كتاب معالم الطريق في عمل الروح الإسلامي لحضرة شيخي وأستاذي وسيّدي وسندي حضرة الشيخ الدكتور عبد الله مصطفى الهرشمي طيّب الله تعالى روحه وذكره وثراه ووالديه، كتاب منهجيّ مبارك وعظيم، رسم الطريق القويم للأمّة في توجهها لربّها الكريم جلّ جلاله وعمّ نواله، فهو تجديد عصريّ لِمَا عُرِفَ بمفهوم التصوّف، ضابطه الشرع الشريف سدًى ولُحْمَةً، فيبدأ من الاسم والعنوان الذي يأتي من هدايات الشرع الكريم فهو طريق الإحسان، أو صريح الإيمان، أو العمل الروحي الإسلامي، وينتهي بالمضامين والغاية والثمرة المرجوة من هذا الأمر الجَلل الذي ينصلح به حال الفرد والأسرة والأمّة، وتسمو به إلى ما كانت عليه من قيادة ركب الإنسانية إلى سعادة الدارين بالروح والعلم والرحمة والسلام.

وهذه مناسبة طيّبة، كي أوصي الجميع بقراءة هذا الكتاب المبارك بتمعّن وتكرار للإفادة من هداياته المباركة وعلومه المتعدّدة.

كلمة التَّشَوُّفُ جاءت في الصفحة 242 من الكتاب تحت عنوان “التوبة” ضمن العبارة الآتية:ـ

(إِذَا أَرَادَ الإِنْسَانُ التَّشَرَّفَ بِالعَمَلِ الرُّوْحَانِيّ، وَالتَّشَوَّفَ إِلَى نُعْمَى الحَيَاةِ الخَالِدَةِ، فَالطَّرِيْقُ إِلَى هَذَا مَفْتُوْحٌ، لَهُ فِي الإِسْلَامِ كُلّ الانْفِتَاحِ)

ومعناها الطلب والتَّطَلُّعُ؛ وهذا إنّما يكون في بداية الطريق، فهو من ثمرات التوبة والإنابة؛ ولذا جاءت هذه العبارة المباركة تحت عنوان التوبة، ولكن هذا التشوّف ينمو ويربو كلّما ترسّخت مفاهيم العمل الروحي الإسلامي في عقل وقلب السالك لطريق الإحسان تحت إشراف شيخه الموصول بالسند الصحيح بخاتم النبيين عليه وآله وصحبه أفضل الصلاة والتسليم، فيتحوّل الطلب والتطلّع إلى اشتياق واحساس روحيّ بقرب الدار الآخرة وما فيها من نعيم مقيم؛ قال الإمام ابن عطاء السكندري رحمه الله جلّ في علاه:ـ

(لَوْ أَشْرَقَ لَكَ نُوْرُ اليَقِيْنِ لَرَأَيْتَ الآخِرَةَ أَقْرَبَ إِلَيْكَ مِنْ أَنْ تَرْحَلَ إِلَيْهَا وَلَرَأَيْتَ مَحَاسِنَ الدُّنْيَا قَدْ ظَهَرَتْ كَسْفَةُ الفَنَاءِ عَلَيْهَا) غيث المواهب العلية في شرح الحكم العطائية ص179.

وإنّما يتحقّق اليقين بالصدق والمتابعة والتجرّد من حظوظ النفس، وهكذا يرقى السالك إلى هذا المقام حتى يغدو التشوّف إلى نُعمى الدار الآخرة كالناظر إليها حقيقة، فبإشراق نور اليقين في قلبه يُبصر الآخرة التي كانت غائبة عنه حاضرة لديه، فكانت بذلك أقرب إليه من أنْ يرحل إليها، فإذا تمكّن نور اليقين من القلب شاهد صاحبه أمر الدارين بمنزلة رأي العين، أمّا الدنيا فهي فانية زائلة، وأمّا الآخرة فهي باقية خالدة.

وهكذا نرى أنّ التشوّف يأخذ معانٍ عدّة بحسب قوّة حال صاحبه؛ فللّه درُّ حضرة شيخنا المفضال رضي الله تعالى عنه وعنكم كم حباه الله جلّ وعلا من العلوم والفهوم.

فرحمه الله سبحانه الكريم المنان، ورزقنا جواره في أعالي الجنان بجوار حضرة النبيّ العدنان عليه الصلاة والسلام وآله وصحبه أهل الفضل والعرفان.

والله تبارك اسمه أعلم.

وصلّى الله تعالى وبارك وسلّم على سيّدنا محمّد، وعلى آله وصحبه أهل الجود والكرم.