2015/08/18

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شيخنا الفاضل أنا ابنكم أحمد ابن الحاج نبيل الطبقجلي أدعوا الله جلّ وعلا أنْ يوفقكم ويرضى عنكم ويفتح عليكم فتوح العارفين إنّه على كلّ شيء قدير وبعد عندي سؤال قد يكوشان له علاقة بالتفسير فأرجو مسامحتكم إنْ كان يختص بتفسير القرآن ولكنّه يلح عليّ كثيرا ولا أعرف إماما بمثل علمكم ليجيب عليه وهو الله عزّ وجلّ يقول في كتابه المجيد {ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح من زكاها} وفي آية أخرى يقول تعالى {ولا تزكوا أنفسكم} فهل المقصود – وهذا مجرد شيء خطر على بالي – أنّ في الأولى تزكية النفس سرّا، وفي الثانية التزكية علناً؟ هذا ودمتم للمسلمين ذخرا ومنارا يضيء طريق القاصدين للسراط المستقيم.

الاسم: أحمد نبيل ناظم

الرد:

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.

جزاك اللهُ عزّ وجلَّ خيراً على كلماتكَ الطيبةِ ودعواتكَ المباركةِ وأدعوهُ سُبحانهُ أنْ يكونَ لكَ النصيبُ الوافرُ منها ومن أجورها، وأرجو أنْ تبلّغ السّيد الوالدَ تحياتي وخالصَ دعائي.

أولُ ما يجبُ التنبيهُ عليهِ هو أنْ لا تعارض بين قولهِ تعالى {قد أفلح من زكّاها} [الشمس: 9]، أو {قد أفلح من تزكّى} [الأعلى: 14]، وبين قوله عزّ وجلّ {فلا تزكُّوا أنفسكم هو أعلمُ بمَن اتقى} [النجم: 32]، إذ لكلّ آية معنىً في السياق الذي جاءت به. فقال علماء التفسير رحمهم الله تعالى في قوله عزّ وجلّ {قد أفلح من زكّاها} أي بالطاعات، وفي قوله تعالى {قد أفلح من تزكّى} أي بتنحيتها وتطهيرها عن الشرك، وقالوا رحمهم اللهُ عزّ وجلّ في قوله تعالى {فلا تزكُّوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى} أي لا تمدحوها ولا تطمئنّوا إليها بل يجب أن يضع المسلم ُ نفسَه دآئماً في مواضع الاتهام والمراقبة.

ونستطيع القول أنْ التزكية بشكل عام تأتي لِمَعَانٍ أذكر منها معنيين:-

الأول: هو التطهيرُ والتنقيةُ، والمقصودُ هو تطهيرُ وتنقيةُ القلبِ والنّفسِ من أدرانهما ووساوسِهِما، وهي من أُولى واجباتِ الأنبياءِ على نبيّنا وعليهم أفضلُ الصلاةِ والسّلام، كما في قوله تبارك وتعالى:-

{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} [الجمعة: 2].

وهي وظيفة ورّاثهم  من حضرات السادة المرشدينَ رضيَ اللهُ تعالى عنهُم وعنكُم، وهو ما أشارت إليهِ الآيةُ الكريمةُ اللّاحقةُ من نفسِ السُّورةِ المباركةِ في قولهِ سبحانه:-

{وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الجمعة: 3].

وتأتي أيضاً بمعنى تطهيرُ مالِ المُسلمِ بفريضةِ الزَّكاةِ، قالَ عزّ شأنه:-

{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التوبة: 103].

أمّا المعنى الثاني: فهو أنْ يُجزمَ المرءُ في صلاحِ نفسه، أو أنّ فلاناً من أهل الجنة، وقد نبّه سيّدُنا رسولُ اللهِ صلّى اللهُ تعالى وسلّم عليهِ وآلهِ وصحبهِ ومَنْ والاه إلى ذلكَ، فعن سيّدنا أبي بكرةَ رضيَ اللهُ تعالى عنهُ:-

(أنّ رجلاً ذُكر عندَ النّبي صلّى الله عليه وسلّم فأثنى عليه رجلٌ خيراً، فقال النّبيُ صلّى الله عليه وسلّم: ويحك قَطَعتَ عُنقَ صاحِبكَ، يقولهُ مراراً، إنْ كان أحدُكُم مادحاً لا محالة فليقُل أحسبُ كذا وكذا، إنْ كان يرى أنّه كذلك، وحسيبه الله ولا يزكّي على اللهِ أحداً) متفقٌ عليهِ.

والمقصودُ في الحديثِ الشّريفِ أنْ لا يبالغ في مدحه بحيث يكون من المسلّمات خاصة أنّ المتكلم أو المادح ليس من أهل التزكية ومعرفة القلوب، فلا بأس أنْ يشهد المسلمُ لأخيهِ المسلمِ بالدّين وحسنِ الخُلق والسّيرةِ الحسنة، وهذا مطلوبٌ في كثيرٍ من الأحيان، في الحياةِ وبعدَ المماتِ.

فَعَنْ سَيِّدِنَا أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله تعالى عنه قَالَ:-

(مُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرًا فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَجَبَتْ، وَجَبَتْ، وَجَبَتْ، وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرًّا فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَجَبَتْ، وَجَبَتْ، وَجَبَتْ، فقَالَ عُمَرُ: فِدًى لَكَ أَبِي وَأُمِّي، مُرَّ بِجَنَازَة
ٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرٌ فَقُلْتَ: وَجَبَتْ، وَجَبَتْ، وَجَبَتْ، وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرٌّ فَقُلْتَ: وَجَبَتْ، وَجَبَتْ، وَجَبَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ في الْأَرْضِ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ في الْأَرْضِ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ في الْأَرْضِ)
الإمام مسلم رحمه المنعم جلّ وعلا.

وأرجو مراجعة أجوبة الأسئلة المرقمة (288، 308، 1663) في هذا الموقع المبارك وكذلك بعض الأسئلة ذات العلاقة في باب الذكر والتزكية والسلوك.

وصلّى الله تعالى وسلّم وبارك على من بعثه الله جلّ وعلا رحمة للعالمين سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والله تبارك اسمه أعلم.