2013/10/13

السؤال:

السلام عليكم …

نحن يتامى (4 بنات وولد واحد) توفي والدنا في صغرنا قبل (أمه) في التسعينات وتولت والدتنا تربيتنا بنفسها بصعوبة بالغة …

تمت اجراءات القسّام الشرعي ولم تتنازل جدتنا عن حصتها في الميراث …

سؤالي: لماذا لا يبطل حقها في الإرث حال وفاتها بدلا من انتقال الإرث إلى باقي أولادها وبناتها (الأعمام والعمات)؟!!

لو يوجد قانون عادل ينصف الأرملة والأيتام في حقهم الشرعي كهذه الحالة … !!!

{أمّا اليتيم فلا تقهر}

ارحموا من في الأرض يرحمكم مَنْ في السماء.

 

الاسم الكامل: يتيم

 

الرد:

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.

قبل الإجابة عن سؤالك أودّ أنْ أذكّر جنابك الكريم بضرورة التأكد من الآيات القرآنية الكريمة قبل كتابتها فالآية التي استدللت بها في سؤالك هي قوله سبحانه {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} [الضحى/9]، وكذلك العناية بأحاديث سيّد المرسلين عليه الصلاة والتسليم وعلى آله وصحبه أجمعين وذلك بتمييزه عن غيره كأنْ تجعله بين قوسين مثلا وتلوينه بلون مختلف، وأعني بهذا قوله عليه الصلاة والسلام وعلى آله وصحبه الكرام (الرَّاحِمُونَ يرحمهم الرحمن، ارحَمُوا مَنْ في الأرض، يرحمْكم مَنْ في السماءِ، الرَّحِمُ شِجْنَةٌ مِن الرحمنِ، فَمَنْ وصلَهَا وَصَلهُ الله، ومَنْ قطعها قطعهُ الله) الإمام الترمذي رحمه الله تعالى، وهذا كله من تعظيم شعائر الله تعالى الذي يقول في كتابه العزيز {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج/32].

قال الحقّ جلّ وعلا {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء/11].

وقال سيّدنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم (إنّ الله قد أعطى كلّ ذي حقّ حقّه فلا وصيّة لوارث) الإمام أبو داود رحمه الله تعالى.

فالمتأمّل في هذين النصين الكريمين وغيرهما من نصوص الشرع الشريف يجد أنّ الله تبارك وتعالى هو الذي حدّد الأنصبة في الميراث، وبالتالي فإنّ الاعتراض على ذلك يُعدّ اعتراضا على الله عزّ وجلّ، والاعتراض على الله سبحانه وتعالى كفرٌ، ويناقض صفات عباده المؤمنين الذين قال فيهم {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب/36]، وقال {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور/51].

إنّ الأحكام الشرعية منظومة كاملة لا يجوز أنْ نقـتطع منها حكما ونفصله عن غيره، فهذه الأحكام بعضها من بعض، كلّ جزيئة منها تنير الطريق للأخرى وتطبيقها يؤدي إلى سعادة الناس في الدنيا والآخرة.

أمّا إذا لم تطبّق هذه الأحكام بالشكل الذي بيّنته فسيؤدي هذا حتما إلى حالة من الإرباك والتخبّط كالتي نلتمسها في هذا السؤال وغيره، فالكثير من هؤلاء إذا لم يكن لهم في أمر ما حقّ تنكروا له، وإذا كان ذلك لهم ولو ظنا لأتوا إليه مسرعين، حالهم في ذلك كحال مَنْ قال الله تعالى فيهم {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ} [النور/48، 49]، والسبب في ذلك بيّنه الله عزّ وجلّ فقال {أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [النور/50].

أمّا الحالة التي ذكرتها في سؤالك: فلا أدري كيف يسوغ أنْ يبطل حقّ الأم في الإرث من تركة ابنها؟! وهل يكون حرمانُها من ذلك عدالة وإنصافا، وهي التي حملت وولدت وأرضعت وسهرت وربّت؟! فهي تستحق الإرث منه بكلّ جدارة بل ولها في ذلك الصدارة ما لم تتنازل عنه، وقد أصبح ما ورثته من ابنها مالا لها، تملك الحرية الكاملة للتصرّف فيه، وما ورثته منه يُضاف إلى ما كان لديها من أموال، فإذا ماتت فيكون من العدل والإنصاف أيضا أنْ يقسّم مالها على ورثتها من أبنائها وبناتها الأحياء للذكر مثل حظ الأنثيين، أمّا الأبناء والبنات الذين ماتوا قبلها وتركوا ذرية ففي توريثهم تفصيل:

فالأحفاد من البنات لا يرثون لأنهم من ذوي الأرحام، والوارثون إمّا أنْ يكونوا من أصحاب الفروض أي أنّ الله تبارك وتعالى قد فرض لهم الأنصبة في كتابه الكريم، أو يكونوا من أصحاب العصبات وهم الذين قال فيهم سيّدنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم (ألحقوا الفرائض بأهلها فما بَقِيَ فهو لأوْلى رَجلٍ ذَكَر) الإمام البخاري رحمه الله تعالى.

وأمّا الأحفاد من الأبناء ففي توريثهم بعد وفاة أبيهم قبل جدّهم أو جدّتهم خلاف الراجح فيه أنهم لا يورّثون، لكنّ هذا من حيث الفتوى، أما من حيث التقوى فإني أنصح المسلمين جميعاً بتوجيه الله تبارك وتعالى لهم في قوله {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا} [النساء/8]، ولمعرفة المزيد في هذا الموضوع أرجو مراجعة أجوبة الأسئلة المرقمة (40، 207، 475) وأرى تفويض هذا الأمر للقضاء ليحكم فيه.

والله سبحانه وتعالى أعلم.