2012/08/03

السؤال:

السلام عليكم سيدي ورحمة الله وبركاته، أدعو الله تعالى أن يرفع مقامكم في أعلى عليين، وينفع بكم الاسلام والمسلمين أين ما حللتم ورحلتم، ويجعلكم لنا ذخرا في الدنيا ويوم الدين، ويجزيكم عنا وعن المسلمين خير ما يجزي به عالما عن امة خاتم الأنبياء والمرسلين آمين،

السؤال سيدي عن تفسير رؤيا: رأيت أني أقف عند سفينة وأنا معجب بها وأسأل لمن؟ فيقال لي إنها لحضرتكم سيدي، فاستهواني الفضول أن اصعد فيها وأرى ما بداخلها من شدة جمالها ونظافتها بين سفن كثيرة متعبة ومتسخة، وعند صعودي إلى داخل السفينة، وإذا بحضرتكم سيدي قدس سركم تديرون الختم الشريف ويحضره المجازون فقط، وكلهم يلبسون نفس العباءة وهي من صوف مثخن جداً ولها غطاء رأس متصل بها، فلم أجد مكاناً لي، وأردت أن أرجع فإذا جنابكم سيدي تتقدم من مكانك إلى الأمام، وتترك لي مجالاً خلفك مباشرة، وتشير لي إشارة أن اجلس فيه، فأتيت مسرعاً وجلست، وما إن جلست في مكاني ذاك خلفك سيدي، إلا وبك استدرت عليّ، وما زلت تتقدم نحوي وأنا ارجع حتى تضايقت من شدة الحياء والخجل والقلق، فقام جسمي يتعرق ويتعرق حتى سال مني العرق كما يسيل الماء، ثم قمت أرجف من شدة البرد الذي أصابني، فإذا بحضرتكم تنادي أحضروا له عباءة وإذا هي أيضا من صوف مثخنة ومتصل معها غطاء الرأس، فلبستها وصعدنا إلى أعلى السفينة، ثم قمت سيدي تقود تلك السفينة وهي تمشي بين سفن يقاتل بعضها البعض بجميع أنواع الأسلحة، ويقتل أناساً ويسحق آخرين ويغرق غيرهم، ولا يوجد من ينقذهم، ولله الحمد لم تصب سفينتك سيدي بأي أذى، وأنت تقود بسرعة ودقة حتى وصلنا إلى جرف آمن، وأنزلتنا من السفينة وقلت عليكم بالحذر، وما زالت هناك حروب بين الناس، ولكن أخفّ من التي شاهدناه ونحن ننتقل بالسفينة، وكنت سيدي تمشي بالمقدمة، والجميع يمشي خلفك على نفس الخط والخطى، غير أني أنظر يمنة ويسرة وكأني ما زلت لم أعتد على لبس هذه العباءة، التي نرتديها جميعا بنفس اللون والشكل، فأوقفت جنابكم سيدي المسير ورجعت إلى آخر المسير حيث كنت أنا هناك، فقلت لي: ما بك؟ ألم تتعود على لبسها جيداً؟ قلت لكم: عذراً سيدي، أنا اسأل لماذا نحن نلبس مثل هذه العباءة فوق ملابسنا؟ فتبسمت ضاحكا وقلت لي: إعلم يا عبد الرزاق إن سر النجاة من كل ما شاهدته، وعدم الإصابة بأي أذى هو هذه العباءة، فعند ذاك حرصت عليها وأمسكت بها جيداً، ثم عدت سيدي إلى مكانك في المقدمة وسرنا خلفك الجميع بكل حذر وتأني.

الاسم: عبد الرزاق علي حسين

الرد:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، جزاك الله تعالى خيراً على دعآئك ولك بمثله.

هناك مصطلح عند أهل التزكية رضي الله عنهم وعنكم يقال له (إلباس الخرقة) وهو كناية عن إجازة المرشد للمريد بالإجازة الروحية، وكأنهم يشبهون المسؤولية التي يقلدها المرشد للسالك باللباس الذي يكون على عاتقه، واللباس يأول بالتقوى والدين كما ورد في قول رب العالمين عز وجل {…وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ…} الأعراف 26. وفي رؤيا حضرة النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قال (بينما أنا نائم رأيت الناس يُعرضون عليّ وعليهم قمص منها ما يبلغ الثدي ومنها ما يبلغ دون ذلك ومر عليّ عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره قالوا ما أولته يا رسول الله قال الدين) متفق عليه.

ولا شك أن الإنسان في هذه الدنيا في صراع دآئم بين الحق والباطل، بين تطلعات القلوب الذاكرة المتطلعة إلى رحمة الله جل جلاله ونزغات النفس والشيطان والحسّاد، وهناك من يزعم أنه ينصر هذا الدين ويدعمه ولكن في الحقيقة عكس ذلك أو لا يملك الإخلاص اللازم لذلك أو على الأقل الوسآئل الصحيحة لنصرة الدين وهذا يتجسد في السفن التي تقاتل بعضها ويغرق بعضها بعضاً ولاشك أنها تُجسّدُ أيضا الفتن التي تموج في عالم المسلمين اليوم، قال الباري عز وجل {…كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ} الرعد 17. ودعوتي لك –في المنام- بأن تجلس خلفي فيه إرشاد لك على ضرورة الثبات على المنهج واقتفآء أثر المرشد، والتفات المرشد إليك تجسيد للتوجه الروحي وفي الواقع يؤدي في بعض الأحيان إلى التعرّق. قال الله تعالى {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} الزمر 23. وإحساسك بالبرودة بعد ذلك فيه ذهاب لحرارة الدوافع النفسية وشعورك ببرد اليقين فتكون مؤهلاً لبعض المراتب الروحية ولذلك ألبست هذه العبآءة.

والإنسان مهما بلغ من مقام يحتاج في بداية تكليفه إلى تثبت واتّزان شيئاً فشيئاً لأن المسؤولية كبيرة نسأل الله عز وجل أن يعيننا جميعاً على أدآئها بأمانة، وهذا ما حصل لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم حين عاد من أول لقآء مع روح القدس عليه السلام قآئلا (زمّلوني،، زمّلوني)، ولا شك أن منهاجاً بهذه الصفات هو الذي يحمي الإنسان من فتن الدنيا وأخطارها، قال ربنا تبارك وتعالى {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} الصّافّات 171- 173. و قال عليه الصلاة والسلام (احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ…) الأئمة أحمد والحاكم والطبراني رحمهم الله تعالى. فالمؤمنون الصادقون المخلصون في رعاية الله ومعيته ما داموا على ذلك. نسأل الله عز وجل أن يجعلها رؤيا حق وأن يمكننا جميعا الإستفادة من هداياتها.

والله سبحانه وتعالى أعلم.