24/11/2011
السؤال:
ما حكم الجهاد في سبيل الله في العراق؟
 
الاسم: أنمار الدليمي
 
 
الرد:
الجهاد بمعناه العام فرض في الإسلام على كل مستطيع -في العراق وغيره-، قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: (…والجهاد ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال) الإمام أبو داود رحمه الله تعالى. والجهاد له مفهوم واسع لا ينحصر بصورة معينة، وأرى أن خير من فصّل ووضّح صور ومعاني الجهاد هو سيدي حضرة الشيخ الدكتور عبدالله الهرشمي -طيب الله روحه وذكره وثراه- في كتابه القيّم (معالم الطريق في عمل الروح الإسلامي)، فقد عدّه أحد أركان العمل الروحي الإسلامي الأربعة إلى جانب الاعتصام بالشريعة الغراء والعلم النافع والعمل الصالح، وقد قسم –رضي الله عنه وعنكم – الجهاد إلى أربعة أقسام: (الجهاد الأكبر، جهاد الإرشاد والدحض، جهاد الرباط، جهاد الذب عن الحياض). ويجب على المسلمين أن يتثقفوا في باب الجهاد، لأن ما يرسخ الآن في عقول الكثير منهم وعقول غير المسلمين أن الجهاد يقتصر على القتال، ولعلك تقصد هذا النوع في سؤالك، وله شروط ومن أهمها الإمام (رئيس دار الإسلام)، قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: (إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به، فإن أمر بتقوى الله عز وجل وعدل كان له بذلك أجر، وإن يأمر بغيره كان عليه منه وزراً) الإمام مسلم رحمه الله تعالى. فترتيباً للأولوليات ينبغي أن نعمل على إيجاد دار الإسلام بالوسائل التي عمل بها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، لأن الإسلام دين عام يشمل كل حركة حياتنا، فلا بد من التقيد بما شرعه الله سبحانه وتعالى فيه.
واعلم أيها الكريم أن المقاومة واجبة وذلك من خلال إجهاض مخططات الأعداء، فالأشرار يريدون أن نكون –حاشاكم– جهلاء، فحينما نأخذ بأسباب العلم فنتعلّم ونعلّم ونشعر بمسؤوليتنا في تعليم أبنائنا ومن هم تحت رعايتنا نكون مجاهدين عند ربنا سبحانه وتعالى، و يريدون لنا أن نعيش حياة الفقر، فحينما نعتني باقتصادنا ونستثمر طاقاتنا وأموالنا نكون مجاهدين عند ربنا سبحانه وتعالى، و يريدون لنا أن نسقط في أتون المعاصي والسيئات، فحينما نجاهد أنفسنا ونتقي ربنا نكون مجاهدين عنده عز وجل.
والمقاومة المسلحة إذا كانت منحصرة في خلية صغيرة من حيث العدد تتخير الأهداف فتصيب الأشرار دون الأخيار عمل مبرور عند الله الغفار، على أن لا تكون هذه الصورة سبباً في مآسٍ تترتب عليها مسؤولية عظيمة عند الله تبارك وتعالى في قتل مسلم أو مجموعة من المسلمين، فالله تبارك وتعالى رفع العذاب عن الكافرين في حال اختلاطهم بالمؤمنين فقال جل جلاله وعم نواله: {لوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} الفتح 25، قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره: (يقول لو تزيل الكفار من المؤمنين لعذبهم الله عذاباً أليماً بقتلهم إياهم) ويقول الإمام القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره: (لو تميز الذين في مشركي مكة من الرجال المؤمنين والنساء المؤمنات الذين لم تعلموهم منهم، ففارقوهم وخرجوا من بين أظهرهم). وكالتقصير في حق الوالدين إن كانا في حاجة إلى المقاوم أو ضياع أسرته وهو جرم عظيم يحقق أهدافاً كثيرة للأشرار ويكون سبباً لمفاسد لها أول ولا آخر لها.
وأرى من المناسب أن أقول: إن أي مسلم صادق في غيرته على المسلمين ودينه يرى أن ما يفعل اليوم في بلاد المسلمين تحت اسم الجهاد لا يحقق مصلحة لهم بل يعطي المبررات للأشرار فيما فعلوا وما يفعلون، والقادم أسوأ إن لم يأخذ المسلمون بالأصل الشرعي المستنبط من كتاب الله تبارك وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، والمعبر عنه بقول الربانيين من أهل العلم رضي الله تعالى عنهم وعنكم (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح)، هذا إذا تنازعت الأمر المصالح والمفاسد بدرجة متساوية، فما بالكم إذا لم تكن هنالك مصلحة؟!
وكذلك ينبغي أن يقال أن هذا الموضوع مهم يحتاج إلى المشافهة والمدارسة بين السائل والمسؤول، وفائدة المراسلة فيه تكاد تنحصر عند بعض أهل الخشية من الله تبارك وتعالى واليوم الآخر يوم يقوم الناس لرب العالمين، نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل كل قارئ لهذا الجواب من هؤلاء الذين يتقون الله عز وجل في مصير الأمة ودينها ولا تغيب عن قلوبهم ولا عن أنظارهم الآيات التي تحمّل الإنسان مسؤولية أعماله وأقواله، ومنها قوله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ} الصافات 24، {أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدى} القيامة 36.
وأختم الجواب بحديث من أوتي الحكمة وفصل الخطاب صلى وسلم وبارك عليه الكريم الوهاب: (لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ به وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ) الإمام الترمذي رحمه الله تعالى.
هذا وأرجو مراجعة أجوبة الأسئلة المرقمة 532، 441، 493.
 
والله سبحانه وتعالى أعلم.