2019-11-13

السؤال:

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته حضرة الشيخ المبارك أسال حضرتكم المباركة عن ورد لأصحاب العمل الروح الإسلامي (الطريقة النقشبندية العلية) عن ذكر الاسم أو الذات أي (الله) وذكر النفي والاثبات أي (لا إله إلا الله) بالسرّ والخفاء يكون بنفس واحد ٢١ مرّة يتدرج، فحضرة الشيخ ما سرّ هذا الورد؟ وما هي نتائجه؟ علما بأنّي قرأت وسمعت بأنّ المرشدين الكاملين هم مَنْ يفتحوه للسالك لطريق العمل الروح الاسلامي لا غيرهم وإذا استخدمه الشخص وحده لا ينتفع به أجيبونا جزاكم الله خيرا؟

 

الاسم: صهيب كاظم فرهود فياض العكيدي

 

الرد:-

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.

شكرا جزيلا على تواصلكم الطيّب مع هذا الموقع الكريم، وبعد:-

لا شكّ أنّ ذكر الله جلّ في علاه له شأن عظيم، خصوصا ذكر اسم الجلالة (الله)؛ قال سبحانه:-

{— قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} [سورة الأنعام: 91].

ولقد ذكر العلماء رضي الله تعالى عنهم وعنكم بعض فوائد وأهمية هذا النوع من الذكر؛ قال الإمام الجنيد رضي الله جلّ وعلا عنه:-

ذاكر هذا الاسم: الله – ذاهبٌ عن نفسه، متّصلٌ بربه، قائمٌ بأداء حقّه، ناظرٌ إليه بقلبه، قد أحرقت أنوار الشهود صفات بشريته.

وقال ابن عجيبة رحمه الله تعالى:-

فالاسم المفرد: الله – هو سلطان الأسماء، وهو اسم الله الأعظم، ولا يزال المُريد يذكره بلسانه، ويهتز به حتى يمتزج بلحمه ودمه وتسري أنواره في كلياته وجزئياته.

وقال الشيخ أبو العباس المُرسي رضي الله تعالى عنه:-

 

ليكن ذكرك: الله الله، فإنّ هذا الاسم سلطان الأسماء، وله بساط وثمرة؛ فبساطه العلم، وثمرته النور.

وقال الشيخ زروق رحمه الله عزّ وجلّ:-

ولهذا اختاره المشايخ، ورجحوه على سائر الأذكار، وجعلوا له خلوات، ووصلوا به إلى أعلى المقامات والولايات.

وإنّ للسادة المرشدين رضي الله تعالى عنهم وعنكم وسائل لتربية السالكين، والأخذ بقلوبهم إلى رياض الحضور بين يدي رب العالمين، ولكلٍّ منهم طريقته وأسلوبه الذي يراه مناسباً، فهم أساتذةٌ مجتهدون في مجال الشريعة والحقيقة.

أمّا في منهجنا الروحي فليس هناك ما تفضّلتم به من مسألة العدد وذكر النفي والإثبات، وسأذكر لجنابك ما تفضل به حضره شيخي وأستاذي الشيخ الدكتور عبد الله مصطفى الهرشمي طيّب الله تعالى روحه وذكره وثراه، وذلك في كتابه معالم الطريق في عمل الروح الإسلامي، وهو كتابٌ منهجي يضع للنّاس معالم السَّيْرِ الصحيح إلى الله جلّ جلاله على بصيرة ونور، وفي ظل هدايات الشرع الشريف؛ وقد فصّل حضرته منازل الذكر ومقامات الإحسان المباركة، وأدناه وصفٌ مختصر لها:-

منازل الذِّكْر:-

المنزل الأدنى: ذكرٌ باللسان مع نوع وعي للذاكر في الفكر بإنّه يذكر الله تعالى.

المنزل الأوسط: ذكرٌ باللسان والفكر، واللسان تابعٌ فيه للفكر الذاكر لله تعالى ذكرا قويا.

المنزل الأعلى: ذكرٌ بقوة الفكر فقط، وفيه يستغرق الفكر بالله تعالى استغراقا.

وما سبق يؤدي بإذنه تعالى إلى مقامات الإحسان الآتية:-

النهج الباديء

المثابة الأولى: ذكرٌ مع استشعار مراقبة الله تعالى، وهذا يثمر خشوعا وحضورا.

المثابة العليا: ذكرُ القلب ذكرا فصيحا اسم الجلالة: الله الله الله…

النهج الأقصى: وهو المقصد الأسنى: وهو أنْ تعبد الله تعالى كأنّك تراه، وفيه يُشاهد الروح بقوة القلب تجلّي الجلال الإلهي الأبدي السرمدي البديع، جلّ جلاله وعمَّ نواله. كتاب معالم الطريق في عمل الروح الإسلامي ص 290-299 بتصرّف.

ولقد وجّه حضرته الناس جميعاً، وأذن لهم بذكر الله سبحانه على صيغة معينة هذه نصها:-

 

(يومك – أيّها الإنسان – نهار وليل، أربع وعشرون ساعة لا حول لك ولا طول في زيادة منها أو نقصان، وأنت تصنع بهذه الساعات كيف تشاء. فهلا جعلت نصف ساعة منها لربّك: لك ثلاث وعشرون ساعة ونصف ساعة؛ ولربّك نصف ساعة حسب، قسمةٌ ضيزى، لكنّها الحد الأدنى الذي يقدر عليه كلّ إنسان. عيّن أيّ وقت تشاء من أوقات فراغك في ليل أو نهار: فاقعد أو اجلس طاهراً مستقبلاً القبلة واقرأ من حفظك كما في صلاة السرّ “الفاتحة” مرّة واحدة، و “آية الكرسيّ” مرّة واحدة، و “سورة الإخلاص” ثلاث مرّات؛ فصلِّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو تسعاً كما تشاء؛ فأغمض عينيك (حتى لا تشغلاك) واذكر الله جلّ جلاله بفكرك في رأسك (دونما لفظ ولا كلام) كما تذكر ابنك أو أمّك أو أباك؛ وابق ذاكراً ربّك شاغلاً فكرك به وحده دون ما سواه إلى آخر الوقت المخصوص – النصف ساعة أو نحوه. ثمّ واظب على هذا الذكر الخفي مرّة كلّ يوم تجد منافع الرحمة والخشوع وانشراح الصدر وقوة الإرادة. وتذكّر قوله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [سورة البقرة: 152].

هذا للمسلمين كلّ المسلمين. وللنّاس كلّ النّاس أنْ يذكروا الله على الوجه الذي وصفنا وإنْ لم يتلوا ما أسلفنا: عسى الله الغفور الرحيم أنْ يشرح صدورهم للإيمان بالحيّ القيوم الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، وبملائكته وكتبه ورسله دون تفريق بين رسله ولا اغترار بسلطان هذه الدنيا التي يعلم كلنا أنّها فانية) معالم الطريق في عمل الروح الإسلامي ص 249- 250.

ولمزيد من الاطلاع على فوائد الذكر أرجو مراجعة أجوبة الأسئلة المرقمة (308، 503، 1448) في هذا الموقع المبارك.

وبالطبع فإنّ الانتفاع من الذكر لا يبلغ منتهاه وغايته القصوى إلا تحت إشراف مرشد كامل موصول السند بسيّدنا رسول الله صلّى الله تعالى وسلّم عليه وآله وصحبه ومَنْ والاه؛ قال حضرة شيخنا عبد الله مصطفى الهرشمي طيّب الله سبحانه روحه وذكره وثراه:-

(والغافل عن سُنن الله تعالى وقوانينه في وسيلة العلم وتلقيه هو ذاك الذي تُخيّل إليه نفسه أنّ الأمر أنُف [مُتيسّر] لكلّ امرئ في كلّ زمان وأن ليس من حاجة إنسان إلى إنسان في مجال علوم الدّين والروح ومقام الإحسان. والغالب على هؤلاء الغافلين سوء الظنّ بعباد الله المخلصين والالتهاء بالغيبة والنميمة واقتراف هذه الآثام تزيّنها لهم نفوسهم بأنّ فيها دعوة إلى الإسلام.

وأحبّ أنْ أضع لهذا الغافل ميزان اعتدال يزن هو به نفسه ويمتحن الخطأ من الصواب إنْ أقام فكره ورأسه. ليتعبّد كيف يشاء وليتحنّث كيف يشاء شهراً كاملاً أو عاماً كاملاً، ثمّ ليحرّك قلبه كيف يشاء فلينظر هل أصبح قلبه ذاكراً الذكر الذي وصفناه عند بيان المثابة العليا من النهج البادئ لمقام الإحسان. إنّه سيدرك العجز عن إيصال قلبه إلى تلك المثابة. وإذا تبيّن عجزه فليكن بعد العجز حصيفاً يزجر نفسه الأمّارة بالسوء تدعوه إلى الغرور والمكابرة والإهمال، وليتبع سُنّة الله – جلّ جلاله – التي سنّها للتعلّم والتلقّي والاسترشاد فيذهب إلى عالم مرشد متخصّص وارث لعلوم رسول الله، وليقبّل يده وقدمه إخباتاً وتواضعاً ومحبّة لله – كما صنع أصحاب رسول الله مع رسول الله. اللهمّ صلِّ وسلّم على هادينا ومرشدنا ومقتدانا محمد وآله وأصحابه ووارثي علومه الشريفة. ولك الحمد والشكر والمنّة والعتبى أولاً وآخراً حتى ترضى يا رب العالمين) معالم الطريق في عمل الروح الإسلامي ص304-305.

وسؤالكم المبارك هذا مناسبة طيّبة لدعوتكم إلى هذا الخير العظيم لتنتقلوا من إطار الثقافة النظرية إلى رحاب العمل الروحي؛ لكي تنعموا بتذوق، هذه المعاني العظيمة، ولتنال روحكم الكريمة حظّها من النور والأنس والسرور في معارج الذكر والقرب والحضور بصحبة وليٍّ مُرشدٍ يختصر لك الطريق، ويحميك من مزالقه، ويُبلغك أقصى منازله، بإذن الله تبارك في علاه.

وأرجو مراجعة أجوبة الأسئلة المرقمة (11، 1477) في هذا الموقع المبارك.

وما أجمل أنْ أختم هذا الجواب بهذا الدعاء الصادق والرجاء الكريم لسيّدي حضرة الشيخ عبد الله مصطفى الهرشمي طيب الله تعالى روحه وذكره وثراه:-

واللهَ تعالى نسأل:-

(أنْ يوفق المسعى إلى وحدة العمل الروحاني عند المسلمين بالإجماع على اتباع الكتاب والسُنّة، والامتناع عن كلّ بدعة وعمل غير مندوب إليه في الشريعة الغرّاء. ومتى سرت نفحات الوحدة الروحانية بشميم الإسلام تارة أخرى وجدنا المسلمين من حول الأرض مؤمنين، وألفينا الإنسان إنسان الإسلام، والمجتمع مجتمع الإسلام، والعزّة عزّة الإسلام، والدولة دولة الحضارة الإسلامية العظمى) معالم الطريق في عمل الروح الإسلامي ص257.

والله تبارك اسمه أحكم وأعلم.

وصلّى الله تعالى وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد، وعلى آله وصحبه أهل المجد والسؤدد.