14/12/2011

نص السؤال:

السلام عليكم سيدي قربان ورحمة الله تعالى وبركاته، نسأل الله عزّ وجلّ أن تكون بصحة جيدة، ويمدّكم بدوام العافية، ويطيل بعمركم وينفعنا بتوجهاتكم الشريفة، ويهيئ قلوبنا لتلقي ما في صدوركم الشريفة سيّدي.

قربان: سؤال هل يجوز شرعًا بناء دار أو سكن للإمام والخطيب في الطابق العلوي فوق الحرم لعدم وجود مساحة كافية لبناء المنزل في الطابق الأرضي ضمن مساحة الجامع علمًا أنّ مساحة الجامع 200 م2 أم لا يجوز؟ والرواد من المصلين يتمنون أنْ يكون بعد بناء المسكن للإمام والخطيب إنْ كان جائزًا شرعًا أنْ يكون الإمام والخطيب من أصحاب العمل الروحي وحسب توجيهاتكم الكريمة سيّدي، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه ومن والاه.

(خادم أقدامكم الشريفة وضاح أبو طارق)

 

الاسم: وضاح مهدي صالح

 

الرد:-

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.

سُررت بتواصلكم مع هذا الموقع الميمون، وأشكركم على دعواتكم الطيبة وأسأله جلّ جلاله لكم التوفيق والسداد إنّه سبحانه رؤوف بالعباد، وبعد:-

الجواب باختصار:-

إذا كانت نيّة الواقف بناء الدار مع المسجد في نفس الوقت جاز، وإنْ كان بعد بناء المسجد فالأصل أنّه لا يجوز إلّا لضرورة.

التفصيل:-

المسجد له مكانة رفيعة ومنزلة عظيمة في الإسلام، ولمزيد من المعلومات أرجو الاستماع إلى المحاضرات في هذا الموقع الكريم تحت عنوان (أهميّة المساجد).

وله أحكامه الخاصة عند الفقهاء رحمهم الله عزّ وجلّ، فإذا وقّف شخص أرضا وبنى فيها مسجدا مستقلا، فلا يجوز البناء فوقه لأي غرض كان، لأنَّ ما فوق المسجد يأخذ حكم المسجد. وهذا يعتمد على شرط الواقف فإن بُني الدار مع بناء المسجد بداية، وبنية الواقف فلا بأس بذلك، أمّا وقد تم بناء المسجد ثم يراد إضافة دار للإمام والخطيب فلا يجوز إلاّ لضرورة تتعلق بمصلحة المسجد لا غير.

فقد جاء في كتاب الدر المختار وهو من كتب السادة الحنفية ما نصّه:-

(لَوْ بَنَى فَوْقَهُ بَيْتًا لِلْإِمَامِ لَا يَضُرُّ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَصَالِحِ، أَمَّا لَوْ تَمَّتْ الْمَسْجِدِيَّةُ ثُمَّ أَرَادَ الْبِنَاءَ مُنِعَ وَلَوْ قَالَ عَنَيْت ذَلِكَ لَمْ يُصَدَّقْ –، فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الْوَاقِفِ فَكَيْفَ بِغَيْرِهِ فَيَجِبُ هَدْمُهُ وَلَوْ عَلَى جِدَارِ الْمَسْجِدِ، وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ مِنْهُ وَلَا أَنْ يَجْعَلَ شَيْئًا مِنْهُ مُسْتَغَلًّا وَلَا سُكْنَى —) الدر المختار على رد المحتار (4/358).

وجاء فيه أيضًا:-

(وَكُرِهَ تَحْرِيمًا الْوَطْءُ فَوْقَهُ، وَالْبَوْلُ وَالتَّغَوُّطُ لِأَنَّهُ مَسْجِدٌ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ) الدر المختار على رد المحتار (1/656).

وجاء في الموسوعة الفقهية ما نصّه:-

(وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّهُ يَجُوزُ جَعْل السُّفْل مَسْجِدًا وَعَلَيْهِ مَسْكَنٌ، وَلاَ يَجُوزُ الْعَكْسُ؛ لأِنَّ الْمَسْجِدَ مِمَّا يَتَأَبَّدُ، وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ: عَكْسُ هَذَا؛ لأِنَّ الْمَسْجِدَ مُعَظَّمٌ، وَإِذَا كَانَ فَوْقَهُ مَسْكَنٌ أَوْ مُسْتَغِلٌّ فَيَتَعَذَّرُ تَعْظِيمُهُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ جَوَّزَهُ فِي الْوَجْهَيْنِ حِينَ قَدِمَ بَغْدَادَ، وَرَأَى ضِيقَ الْمَنَازِل، فَكَأَنَّهُ اعْتَبَرَ الضَّرُورَةَ) الموسوعة الفقهية (12/296).

وكذا إذا دعت الحاجة في منطقة ما إلى إنشاء مسجد في طابق سفلي لعمارة تبرع به شخص، فلا حرج في ذلك، إذ لا يتصور هدم ما علاه من طوابق.

والله تبارك اسمه أعلم.

وصلّى الله تعالى على سيّدنا محمّد، وآله وصحبه وسلّم تسليمًا كثيرًا.